بعكازيها تسرع الخطى اتجاه ورشة الحفر على الخشب اليدوي، وبهمة ونشاط تبدأ يومها في الورشة، فتاة رغم قسوة الأيام عليها بقي لديها الأمل أن تنجح ويكون لها دورها في مجتمعها. هي منى الحو ذات التسعة عشر عاماً والتي تعاني من إعاقة حركية منذ الولادة نتيجة عيب خلقي في قدمها اليسرى ألزمتها الجلوس على كرسي متحرك ، تقول منى :” كلما كنت أرى الكرسي المتحرك بجانبي أختنق، أشعر بأنه سجن لي لا مساعد في حركتي، أردت التخلص منه بأي طريقة، جاهدت نفسي وعقدت العزم على التخلي عنه والاعتماد على نفسي”، وتستكمل منى سرد قصتها بقولها: “جاء ذلك اليوم الذي قررت فيه الوقوف على قدمي، استندت إلى الحائط وحاولت السير دون كرسي متحرك، نجحت في ذلك شعرت بالسعادة، شعرت كما لو أنني ولدت من جديد، حسيت حالي بشبهكم” . عبارات منى أكدت لي فعلا مدى قدرة من يستهين بهم المجتمع ويعتبرهم عالة عليه، من يتجاهل قضاياهم وقدراتهم وإمكانياتهم. هم بإرادتهم وعزيمتهم استطاعوا أن يثبتوا بأن الإعاقة ليست بأجسادهم بل في طريقة تفكير من حولهم، وأثبتوا بأنهم ليسوا أقل قوة من أقرانهم فقط يحتاجون الفرصة ليثبتوا أنفسهم. تقول منى بكل ثقة: “اهتموا فينا حتلاقوا منا حاجات كتير”.
بسبب الإعاقة والكلمات الجارحة التي كانت تسمعها منى ممن حولها منذ الصغر حرمتها كطفلة من استكمال تعليمها فتركت المدرسة في المرحلة الابتدائية، ومكثت في المنزل، وكبرت منى وما زال حنينها للتعليم يكبر معها، فكلما شاهدت كتاباً عجبها غلافه تشتريه وتضعه في بيتها أملاً في أن تتمكن بيوم من الأيام من قراءته.
ورغم ظروفها الصعبة لم تتوقف طموحات منى، أرادت أن تترك بصمة في المجتمع، وأن تثبت للجميع أن بإمكانها فعل أشياء يعجز الأصحاء عن فعلها، تعلمت حرفة التطريز وتشكيل الخرز، وأنتجت تصميمات رائعة أرادت أن يراها العالم أجمع إلا أن عدم قدرتها على استخدام الحاسوب والانترنت شكل عائقاً أمام نشر تصميماتها.
وأثناء سعيها لتطوير ذاتها، سمعت منى عن برنامج إرادة وتوفيره فرص تدريب مهني لذوات الإعاقة، فسارعت للتسجيل في مشروع “تحسين فرص تشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة” الذي ينفذ بتمويل من هيئة الأعمال الخيرية ببريطانيا. اختارت تخصص الحفر على الخشب اليدوي، فتم اعلامها بأن في هذا التخصص ستتعلم كيفية استخدام المناشير وأدوات أخرى يمكن يصعب عليها استخدامها بسبب استخدامها للعكازين للحركة. فما كان من منى إلا أن تركت العكازين ووقفت على قدميها بثبات وقالت: ” أرغب بتعلم المهنة، وأنا جاهزة أقف على قدم واحدة بدون عكازين وسأنجح كغيري”. إصرار وتحدي كان مؤشراً بأن منى ستكون قصة نجاح، وفعلاً التحقت منى بالورشة التدريبية التي اختارتها، وكانت عند كلمتها فتميزت وتعلمت استخدام الماكينات وأصبحت تصنع الصواني والصناديق الخشبية، ومنتجات أخرى مختلفة. تقول منى : “”أردت أن أتعلم مهنة أبدع فيها وأعتمد على نفسي، وأن تكون مصدر رزق لي مستقبلاً، فسجلت ببرنامج إرادة، وكان ذلك أفضل شيء فعلته في حياتي، شعرت بأني طويت صفحة من الماضي وبدأت أكتب قصة جديدة لحياة أتمناها، لم يكن لي صديقات، لم يريد أي أحد أن يصاحبني، ولكن الآن عندي صديقات، أتشارك معهم لحظات جميلة، أصبح عندي ثقة بنفسي وبمن حولي”.
نجحت منى وأصبحت مؤهلة للعمل، وكانت صوت قوي يقول للعالم بأن ذوات الإعاقة لديهم قدرات فائقة ومن حقهم أن يتم تأهيلهم وتدريبهم وتشغيلهم. وهي الآن تحلم بأن يكون عندها مشروعها الخاص فيها لتعمل فيه هي وباقي زميلاتها من ذوات الإعاقة. واختتمت منى حديثها معنا قائلة: “أنا فخورة جداً بما صنعت، وأتمنى أن يرى العالم منتجاتي، ليعرف بأني قادرة أشتغل مثل الأسوياء، كما أحلم بأن يكون لي ورشتي الخاصة لآخذ بيدي ويد من هم من ذوي الإعاقة مثلى”.