كانت ليلة مؤرقة، تزاحمت فيها الأفكار، وتشابكت الخطوط، وتداخلت الآراء، فهذا صوت أمها تسدي لها النصائح، وهذا صوت أبيها يشرح لها تبعات خطوتها، أما قلبها فيدعوها تارة أن تستسلم لاختيار محيطها ويدعوها تارة أخرى لمواصلة طريقها وعدم التخلّي عن حلمها وطموحها.
قطعت منال فضل صالح، ذات الأربع وعشرين ربيعاً تلك المساحة الرمادية من حياتها حين خطت أولى خطواتها إلى ورشة تدريب صيانة الهواتف المحمولة في برنامج إرادة، لتكون من أوائل الفتيات اللاتي يجتزن حاجز عرف المجتمع وعاداته ويدخلن هذا التخصص الذي قد يكون بات حكراً على الرجال منذ زمن بعيد، ما جعل خصوصية نصف المجتمع وأسراره في يد النصف الآخر، وهو ما شكل دافعاً لمنال لمواصلة طريقها وإقناع من حولها بأهمية الخطوة التي تقدمت بها.
اجتازت منال الاختبار الأول للالتحاق بهذا التخصص بنجاح باهر بعد استعدادها الجيد وقراءتها الكثير من الكتب والمواضيع ومشاهدتها المواد المرئية عبر مواقع الإنترنت المتعلقة بحياتها الجديدة.
شعرت منال بالسعادة الغامرة وهي تضيف لحياتها شيئاً جديداً وتقدّم لمجتمعها عملاً مميزاً، وتتنقل بين زميلاتها تحمل لهم أفكاراً جديدة وحلولاً رائعة وإنجازات يومية في مجال كان يتوقع البعض فيه لمنال ألا تنجح.
ما كان لشيء أن يقف في وجه طموح منال التي انتصرت من قبل على إعاقتها ولم يقعدها فقدانها للسمع بنسبة كبيرة عن مواصلة حلمها فهي التي تحدت الاحتلال الإسرائيلي أولاً والذي تسبب لها بالإعاقة وفقدانها سمعها على إثر قصف غادر ومفاجئ لبيت أحد الجيران عام 2009، لتزداد حالتها سوءاً وتتفاقم إعاقتها مع تواصل الحروب على غزة.
تقضي منال ليلها تعدّ الساعات، ساعة إثر ساعة في انتظار إشراقة شمس الصباح تحمل لها الأمل بالنجاح والتميز، فتتوجه باكرة إلى ورشة صيانة الهواتف المحمولة في مقر برنامج إرادة والذي التحقت فيه بتمويل من الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون ضمن مشروع خلق فرص عمل للأشخاص ذوي الإعاقة والذي ينفذه برنامج إرادة بإشراف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP وبالتعاون مع وزارة العمل.
تدخل منال ورشتها وتنهمك في عملها تغمر قلبها السعادة وهي تبدع وتنجز في عمل أصبح يمثل لها كل الحياة، فهي الآن تحقق حلمها وطموحها، كما أنها تقدّم الوفاء لمعلمها م. خالد الصفدي الذي بدأ معها هذا الطريق ولازمها مشوار تطورها حتى أصبحت متميزة، ليفارق الحياة بعدها تاركاً منال تواصل طريقها وفيّة له ولعلمه ولورشته وتخصصه، فهي تستعد قريباً للاستقلال بورشة خاصة بها تستقبل فيها زبائناً من الفتيات على وجه الخصوص، تقدّم لهن خدماتها في مجال صيانة الهواتف المحمولة محافظة على خصوصيتهن وأسرارهن في خطوة هي الأولى من نوعها في قطاع غزة.
تطمح منال أن يساهم مشروعها القادم في تحسين مستوى حياتها وزيادة دخلها الاقتصادي لتصنع لنفسها وأسرتها ومن حولها الحياة السعيدة التي طالما حلموا بها، فهي من ترفع شعار لا شيء يقف في وجه الطموح طالما وجد العزم.