الجسد المريض يبدو أحياناً كحاجز ضئيل جداً أمام الطاقة الروحية التي تبدو كالفضاء الرحب، دعاء أيقنت أن الشمس لا تنتظر النائمين وأنها لا تفرق بين مستيقظ صحيح الجسد أو به علة، هي تسعد فقط بالطامحين المبكرين. في غرفة تناثرت فيها الهواتف المحمولة والهواتف الذكية وأجهزة الحواسيب ومصادر مختلفة من الطاقة كانت دعاء منهمكة جدًا باستخدام جهاز الكاوي لإلصاق قطع صغيرة مفككة من جهاز “تابلت”، أخيرًا تنهيدة ثناء من المدرب فقد أتمت المهمة بنجاح، لترتسم ابتسامة “نصر” على ثغرها.
بدأت دعاء حديثها بالتعريف عن نفسها، قائلة: “أنا دعاء كمال قشلان، أبلغ من العمر أربع وعشرون عامًا، وولدت بإعاقة وراثية بسبب القرابة بين والدي ووالدتي”. وأضافت: “تم تشخيص مرضي بأنه ضمور في العضلات، وبسببه أنا الآن أجلس على هذا الكرسي المتحرك الذي سيبقى رفيقي حتى أغادر هذه الحياة”.
خلال المرحلة الثانوية كانت دعاء فتاة منطوية، وتستمر في البكاء، ولا تخرج من البيت إلا إن كانت بصحبة أمها. تقول: “ماما كانت يومياً تجهزني للذهاب للمدرسة وتوصلني لصفي، وفي نهاية اليوم ترجع لتصطحبني للبيت، في الماضي كنت لا أتقبل مساعدة أحد غير ماما”.
بعد الثانوية العامة حصلت دعاء على منحة للدراسة في الإمارات لمدة عامين، وكانت تلك التجربة كنقلة نوعية في حياة دعاء جعلتها تعتمد على نفسها. وحين عادت إلى غزة تفاجأت أن عامين من حياتها ضاعا هباءً، فحين تقدمت بشهادتها للوظيفة أخبروها أنها غير معترف بها فحبست نفسها بالبيت لمدة عام، وبعد اصرار أمها اقتنعت دعاء أخيراً بأن تسجل لدراسة تخصص السكرتاريا ولكنها واجهت صعوبة في الوصول لمكان دراستها بسبب عدم موائمة الطرق والمواصلات والمباني لاستخدام الأشخاص ذوي الإعاقة.
دعاء سمعت كثيراً عن برنامج إرادة للتأهيل والتدريب المهني للأشخاص ذوي الإعاقة، مما دفعها للالتحاق بالتدريب في صيانة الجوالات ضمن مشروع “خلق فرص عمل للأشخاص ذوي الإعاقة” الذي يتم تنفيذه بتمويل من الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون وباشراف برنامج الأمم المتحدة الانمائي. وكان اختيار دعاء للتخصص كنوع من التحدي كونه تخصص يقتصر العمل فيه على الذكور دون الإناث. تقول دعاء: ” حبيت أنافس واخترت التدريب في صيانة الجوالات بارادة وخصوصاً إنه التخصص متعارف عليه انه مش للبنات فكيف لما تكون من ذوات الإعاقة مثلي”.
ولم تستطع دعاء اخفاء سعادتها حينما سمعت مدربها وهو يقول بأنها من المتدربات المتميزات وأصبح لديها المهارات التي تمكنها من فتح ورشة خاصة بها، وابتسمت دعاء قائلة: “أحببت صيانة الجوالات، وما انبسطت بحاجة بحياتي قد تجربتي بالتدرب في هذا التخصص.