قد تصادف في يوم رجلا ناجحا، وإنسانا متألقا، استطاع أن يتحدى صعوبة الحياة في غزة وقسوة الظروف فيها صاعدا نحو النجاح فتسعد لذلك كثيرا، لكنك بكل تأكيد ستقف حائرا مستغربا أمام إنسان آخر استطاع النجاح والتفوق مرتين، مرة حين تحدى الإعاقة، ومرة حين تحدى قسوة الحياة وصعوبة العيش في بقعة ينهشها الحصار وتدميها الجراح، إنهما محمد خالد البهتيني وثائر رشاد قاسم، رجلان من غزة، ولد أحدهما بإعاقة في ذراعه وساقه وتعرض الآخر لإصابة أفقدته ساقه، اشتركا معاً في الإعاقة واشتركا معا في الإرادة، هذه الإرادة التي دعتمها للتسجيل في دورات تدريبية كانت تستهدف ذوي الإعاقة، التحقا ببرنامج إرادة، وأرادا التفوق فتفوقا، وحصلا على أعلى الدرجات بجدارة، الأمر الذي لفت طاقم البرنامج ودعاه لاختيارهما لإقامة مشروع عمل يساعد الشابين على الاندماج في المجتمع فيقدموا له خدمة ويقدم لهم الحياة والأمل، فكان مشروعهما الأكثر نجاحا من بين تسع ورش حرفية أنشئت لذوي الإعاقة بتمويل من البنك الاسلامي للتنمية وبإشراف برنامج الأمم المتحدة الانمائي UNDP لتأمين مصدر دخل لذوي الإعاقة والخروج بهم من حالة الفقر.
في تلك الورشة يقضي الشابان معظم وقتهما، تدخل عليهم قطع الأثاث بلا لون ولا شكل، وبعد ساعات من العمل والإبداع تخرج تلك القطع كلوحات جمال تسحر عيون الناظرين وتأسرهم، فبين أيدي هاذين الشابين تكتسي تلك القطع أجمل الألوان وتبدو كأروع الأشكال بعد رحلة عمل راقي بكل مهارة وجودة وفن.
وبعد ساعات من العمل المضني، والعرق والكد والإرهاق، يعود الرجلان إلى بيتهما، يعودان ليحتضنا الأبناء الذين ينتظرانهما منذ الصباح، ينتظران الأب الذي استطاع أن يحطم المستحيل ويبدد ظلام المجهول الذي كان يحيط هذه الأسرة ويزرع بدلا منه أمالا وطموحات بغدٍ مليء بالخير والحب ومزيد من الدفء والحياة، يقول محمد بعد افتتاح هذه الورشة “شعرنا أنه قد أصبح لحياتنا معنى ولوجودنا قيمة، لقد كنا كمن يحيا في الظلام وأخرجه الله فجأة ليجد من حوله النور والناس والعمل والحياة” وأضاف ثائر على كلام زميله محمد “لقد انبعثت فينا الروح مجددا ونحن ننشئ بيتا ونكون أسرة، نقوم برعاية أبنائنا وعائلتنا، لا طعم للحياة بدون عمل وبناء وأسرة وأبناء،، نحن نشعر أننا خرجنا فجأة من الظلمات إلى النور ومن الموت إلى الحياة”.