+97082641421

نجاح رغم آلام الإعاقة

  img_6772

“وين رجلك يا بابا؟” عبارة استوقفتني أثناء حديثي مع محمد اللولحي ذو الخمس و ثلاثون عاماً، وهو شاب من ذوي الإعاقة تعرض لبتر في القدم اليسرى وقطع في أعصاب اليد اليمنى. إعاقته كانت السبب في حزنه في البداية ولكن بعزيمته وإصراره جعل منها سبباً لنجاحه.

عند سؤاله عن أكثر موقف أوجعه بعد أن فقد قدمه يقول محمد: ” أحزنني جداً سؤال ابني الصغير أحمد عندما قال لي ” وين رجلك يا بابا ؟!”. كلمات بريئة من طفل ذو ثماني أعوام لكن وقعها على نفس محمد كان عميقاً، هزته في العمق وأشعلت الحزن في داخله”. ويستكمل محمد قوله وقد بدا عليه الحزن وهو يسترجع هذا الموقف: “تفاجأت من السؤال، وعجزت عن الإجابة، فما كان مني إلا أن غطيت وجهي وبكيت بحرقة، ربما لأن أطفالي لم يعتادوا على رؤيتي بهذا الشكل، أو هو الخوف من أن يراني أبنائي كأب عاجز بعد الآن، أو هو خوفي من أني لم أعد قادراً على حمل صغاري وأخذهم إلى الروضة كباقي الآباء”.

والأشد قسوة من الإعاقة على محمد كان مجتمعاً معيقاً ينظر للأشخاص ذوي الإعاقة نظرة سلبية، فقد تعرض محمد للاستبعاد من مجتمعه كحال غيره من ذوي الإعاقة. وعن ذلك يقول محمد: ” عانيت كثيرا بعد إصابتي، جلست على كرسي متحرك، تغيرت نظرة أهلي ومجتمعي اتجاهي، أصبحت في نظرهم إنساناً عاجزاً لا جدوى منه، قصدت الكثير من الأماكن باحثاً عن عمل لكن لا أحد رغب في أن أعمل لديه، تخليت عن العمل الذي كنت أعمل فيه وهو دهان المنازل، وامتنعت عن زيارة أقاربي، كل هذا أثر في نفسي، قل اختلاطي بالمجتمع وبمن حولي، فضلت المكوث في البيت على أن أسمع كلماتهم وانتقاداتهم الجارحة”.

لم تنتهي قصة محمد بسبب الإعاقة بل بدأت تأخذ مساراً آخراً، فقد فتح أمامه باب جديد. يقول محمد: “في يوم من الأيام كنت جالساً فإذا بابني الصغير يجلب لي الطرف الاصطناعي ويقول لي ارتديه يا أبي كي تذهب للعمل، كلمات طفلي حركت مشاعري أبكتني من الداخل، أدركت حينها بأن الوقت قد حان لأتغلب على إعاقتي وعلى نظرة مجتمعي وأثبت لهم بأن الإعاقة تكمن في عقولهم وليس في جسدي، لبست الطرف الاصطناعي وخرجت قاصدا برنامج إرادة فقد سمعت بأنه يدرب الأشخاص ذوي الإعاقة”.

التحق محمد في تدريب دهان الأثاث ببرنامج إرادة ضمن مشروع “تحسين فرص تشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة” الذي ينفذ بتمويل من هيئة الأعمال الخيرية-بريطانيا. ستة شهور من التدريب كان لها الأثر على محمد فقد اندمج من جديد بالمجتمع وتعلم مهنة جديدة وإن كانت تشبه مهنته القديمة إلا أنها الأنسب لوضعه الصحي الحالي. تميز محمد في مجال دهان الأثاث، وأصبح فخوراً بنفسه لتمكنه من التغلب على اعاقته. وعن تجربته في برنامج إرادة يقول محمد: “تدربت في مجال دهان الموبيليا، كونت الصداقات وتحسنت علاقاتي الاجتماعية، أصبح لي عائلة جديدة تشاركني إعاقتي وفرحي وحزني، هذه العائلة التي مدت لي يد العون واحتضنتني عندما تخلى الجميع عني”.

طريق جديد بدأ محمد يسلكه أملاً في أن يحقق حلمه في نهايته، فهو يأمل أن يتمكن من العمل في مجال تخصصه بعد التخرج، و أن يكون له مصدر دخل يمكنه من تلبية احتياجاته وأسرته، بل تمتد طموحاته بأن يكون عوناً لذوي الإعاقة الآخرين. ويختتم محمد حديثه معنا بقوله: “تمكنت أن أقف من جديد، وأتمنى أن يكون لي عملي الخاص وأمد يد العون لمن يعانون مثلي”.